|
الصفحة الرئيسية
>
حــديث
عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فايعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فايعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من اللّه فليحمد اللّه، ومن وجد الأخرى فليتعوذ باللّه من الشيطان ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالفحشاء}" الآية. أخرجه الترمذي.
ّ
قال الغزالي: والملك عبارة عن خلق خلقه اللّه شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالمعروف والشيطان عبارة عن خلق شأنه الوعيد بالشر والأمر بالفحشاء فالوسوسة في مقابلة الإلهام والشيطان في مقابلة الملك والتوفيق في مقابلة الخذلان وإليه يشير بآية {ومن كل شيء خلقنا زوجين} والقلب متجاذب بين الشيطان والملك فرحم اللّه عبداً وقف عند همه فما كان للّه أمضاه وما كان من عدوه جاهده.
والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملائكة وآثار الشياطين صلاحاً متساوياً لكن يترجح أحدهما باتباع الهوى والإكباب على الشهوات والإعراض عنها ومخالفتها.
واعلم أن الخواطر تنقسم إلى: ما يعلم قطعاً أنه داعي إلى الشر فلا يخفى كونه وسوسة، وإلى ما يعلم أنه داعي إلى الخير فلا يشك كونه إلهاماً، وإلى ما يتردد فيه فلا يدري أنه من لمة الملك أو لمة الشيطان فإن من مكايد الشيطان أن يعرض الشر في معرض الخير والتمييز بينهما غامض فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة الملك أو لمة الشيطان وأن يمعن النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى الطبع ولا يطلع عليه إلا بنور اليقين وغزارة العلم: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا}.
وقوله (إن للشيطان لمة) أي قرب وإصابة، من الإلمام وهو القرب (بابن آدم وللملك لمة) المراد بها فيهما ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك (فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق) فإن الملك والشيطان يتعاقبان تعاقب الليل والنهار فمن الناس من يكون ليله أطول من نهاره وآخر بضده ومنهم من يكون زمنه نهاراً كله وآخر بضده.
(فمن وجد ذلك) أي إلمام الملك (فليعلم أنه من اللّه) يعني مما يحبه ويرضاه (فليحمد اللّه) على ذلك (ومن وجد الأخرى) أي لمة الشيطان (فليتعوذ باللّه من الشيطان) تمامه ثم قرأ {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} ونسب لمة الملك إلى اللّه تعالى تنويهاً بشأن الخير وإشادة بذكره في التمييز بين اللمتين لا يهتدي إليه أكثر الناس والخواطر بمنزلة البذر فمنها ما هو بذر السعادة ومنها ما هو بذر الشقاوة.
وسبب اشتباه الخواطر أربعة أشياء لا خامس لها كما قاله العارف السهروردي: "ضعف اليقين، أو قلة العلم بمعرفة صفات النفس وأخلاقها، أو متابعة الهوى بخرم قواعد التقوى، أو محبة الدنيا ومالها وجاهها وطلب المنزلة والرفعة عند الناس".
فمن عصم من هذه الأربعة فرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومن ابتلي بها لم يفرق. والله أعلم.
المزيد |